دون تحقيق لاي من اهدافها الاستراتيجية انسحبت الولايات المتحدة الامريكية خائبة مذلولة من افغانستان بعد عقدين من الزمن على غزوها مخلفة أثارا ونتائج كارثية على رصيدها داخليًا أو خارجيًا.
الانسحاب الفوضوي الذي قامت به واشنطن من افغانستان جارة وراءها ذيول الخيبة والهزيمة، يعكس الدعاية الكاذبة لواشنطن والتي استمرت عقودا على انها القوة العظمى والقطب الأوحد، يلحق بها انتكاسة مدوية على صعد متعددة لا تقتصر على الانسحاب بل معه الطريقة والنتيجة، والتي لا يبدو معها ان الحلفاء مرتاحون بل مستاؤون فالقرن الامريكي الذي هو مخطط الهيمنة من قبل الولايات المتحدة عل النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية يشارف على النهاية والافول.
دلالات واضحة تؤكد تهشم صورة واشنطن أولها الانسحاب بالتفاوض مع حركة طالبان، ثانيا سيطرة الحركة على افغانستان بسرعة فائقة وانهيار مفاصل الدول والحكم ثالثا اذعانها لمن كانت قد اتخذتهم ذريعة لغزو البلاد وملأت الدنيا صخبا بشعارها الحرب على الارهاب والتطرف فإذا بها تمد اليد الى من كانت تعتبرهم الاعداء وترضخ لهم، لا بل اخرجت قواتها منكسرة ذليلة أضافة الى تلقيها ضربة موجعة قبيل اكتمال خروجها من البلاد.
واشنطن خلفت دمارا وارهابا وتطرفا اضعافا مضاعفة بمقايسها التي وضعتها لتحديد الارهاب، بعد انها وعدت باستئصاله وتدميره، وجندت حلف الاطلسي كله ليدعم اهدافها الاستراتيجية تلك لكنها في الاخير خاب مسعاها وخيبت فيها الحلفاء الذين تيقنوا ان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ليس فريد زمانه ولكن يرون خلفه بايدن يسير على خطاه برغم خبرته السياسية الذي لم يلتفت الى كل المطالبات بتاجيل الموعد النهائي لانسحاب قواته من افغانستان فغاب التنسيق وانفردت واشنطن بالقرار.
تساؤولات كثيرة كانت قد شغلت الاوروبين قبل الانسحاب الامريكي من افغانستان وبعده أبرزها ما ذكرته صحيفة "نيويوك تايمز" في مقالها قبل ايام بشأن اي تحول جدي في عمل حلف شمال الاطلسي حيث القيادة لواشنطن ومن نصيب اوروبا التبعية، حيث قالت الصحيفة "إن هناك انتقادا وشكوى في أوروبا من طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، رغم أن الرئيس جو بايدن قال إنه لم يسمع أي انتقادات من حلفاء أمريكا للانسحاب، مؤكدة أن مسؤولين من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا اشتكوا من أنه على الرغم من وعود بايدن بالتشاور، إلا أنه كانت هناك إملاءات أكثر من الحوار حول أفغانستان.
لقد أضاف الفشل الذريع الأخير في كابول، بعد الزلات الأمريكية السابقة في ليبيا وسوريا، ناهيك عن العراق، مزيدا من الإلحاح على السؤال الذي يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ نهاية الحرب الباردة تقريبا، قبل وقت طويل من ظهور الرئيس ترامب على الساحة: هل سيكون هناك أي تحول جدي في الطريقة التي يعمل بها حلف الناتو، حيث تقود أمريكا، وأوروبا تتبع؟
وداخليا يحتدم النقاش ويشتد الجدل فالجمهوريون يوجهون انتقاداتهم اللاذعة للرئيس الديمقراطي اذ يحملونه كارثية الانسحاب المهين بل تحوم حوله الشكوك ان كان مؤهلا لرئاسة البيت الابيض ولاسيما بعد مقتل الجنود خلال التفجير الذي وقع على ابواب مطار كابول، حيث انتقد الرئيس السابق دونالد ترامب والمشرعون الجمهوريون الرئيس الديمقراطي جو بايدن مؤكدين انه يجب أن يستقيل أو يُعازل.
وقال السناتور جوش هاولي من ميسوري "جو بايدن مسؤول." "من الواضح الآن بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس لديه القدرة ولا الإرادة للقيادة. يجب أن يستقيل"، كما كتبت النائبة إليز ستيفانيك ، وهي ثالث أكبر جمهوري في مجلس النواب ، على تويتر أن "يدا جو بايدن ملطختان بالدماء"، كذلك قال ستيفانيك: "المسؤولية تقع على عاتق رئيس الولايات المتحدة"، "هذه الكارثة الإنسانية والإنسانية المروعة هي نتيجة قيادة جو بايدن الضعيفة وغير الكفؤة. إنه غير لائق ليكون القائد العام للقوات المسلحة."
التداعيات الداخلية لم تقف عند هذا الحد حيث وقع عدد كبير من قادة سابقين في الولايات المتحدة عريضة يطالبون فيها بإقالة قيادة البنتاغون أو وزارة الدفاع الأمريكية، لما ألحقوه من ضررٍ بالغ قد لا يمكن إصلاحه، ببلادهم خلال ظروف انسحاب القوات من أفغانستان، مؤكدين أن طريقة الانسحاب وعدم حديث البنتاغون مع الرئاسة بشكل كافي لتوضيح الحقائق على الأرض، أضر بشكل كبير بسمعة الولايات المتحدة.
اذا الى اين تتجه واشنطن بمخاضها الجديد وما تحمله الايام القادمة لها بعد ان تعددت المخاضات التي واجهتها من الانتفاضة ضد العنصرية والعنف الى العسر في انتقال السلطة وتولي زمام الامور من قبل بايدن وصولا الى صورة مذلة للامريكيين خارجيا وخاصة وهم يتكبدون المزيد من الجنود القتلا وهي صورة مباشرة لتأجج الصراع بين الحزبين السياسيين.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/23764
TAGS: