مع اقتراب الوقت الذي حددته الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، تم إيلاء المزيد من الاهتمام لوضع القوات الأمريكية التي دخلت هذه المنطقة قبل 20 عامًا أثناء غزو أفغانستان عام 2001.
في غضون ذلك، فإن أحد أهم القضايا هو معدل الانتحار الكبير في صفوف الجيش الأمريكي.
بشكل عام، يمكن القول إنه منذ أن بدأ جورج بوش الحرب العالمية ضد الإرهاب في عام 2001، قُتل 7557 جنديًا أمريکيًا في العمليات العسکرية. في الفترة الزمنية نفسها، تشير التقديرات إلى أن 5116 جنديًا و 1193 من أفراد الحرس الوطني و 1607 من أفراد الاحتياط قد انتحروا.
انتحار 30 ألف جندي علی مدی أكثر من 20 عامًا
على مدى العقدين الماضيين، تم نشر إحصائيات مختلفة حول معدل الانتحار المرتفع للغاية بين الجيش الأمريكي.
ووفق آخر التقارير، فإن نتائج البحث في جامعة براون بالولايات المتحدة، تظهر أن عدد الجنود الأمريكيين الذين انتحروا منذ عام 2001 يزيد على 30 ألف جندي.
ووفقًا لوكالة أنباء الأناضول، تظهر هذه الدراسة أن الحرب الأمريكية على الإرهاب، التي اندلعت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أسفرت عن انتحار 30177 جنديًا أمريكيًا، وهذه الإحصائية تتعلق بفترة التسجيل للالتحاق بالخدمة أو ما بعد الخدمة.
وبالمقارنة، أشار مؤلف الدراسة، توماس هوارد سوت، إلى أنه منذ ذلك الحين تم الإبلاغ عن 7057 حالة وفاة فقط في الجيش الأمريكي أثناء تنفيذ العمليات العسکرية.
وأكدت الدراسة أن معدلات الانتحار في صفوف العسكريين الأمريكيين قد تكون أعلى من ذلك، ذلك أن وزارة شؤون المحاربين القدامى، التي تتابع موضوع الانتحار بين القوات، لا تلتفت لما حدث لقوات الاحتياط في الجيش أو قوات الحرس الوطني، والتي غالبًا ما تستخدم في حالات الطوارئ.
کما تشدد الدراسة علی أنه على الرغم من تراجع العمليات القتالية في أفغانستان، إلا أن معدل الانتحار بين العسكريين قد ارتفع في السنوات الأخيرة.
في السياق نفسه، انخفض عدد ضحايا العسكريين الأمريكيين بشكل كبير منذ عام 2007، لكن عدد حالات الانتحار بين العسكريين قد بلغ ذروته في عام 2012؛ وشهدت السنوات الثلاث الماضية أسوأ معدل انتحار على أساس سنوي بين القوات العاملة منذ عام 2001.
في غضون ذلك، من الجدير بالذكر أن أغلبية حالات الانتحار لم تكن مرتبطةً بفترة الحرب، بل حدثت في حالة الاستقرار بعد المعارك الميدانية.
في الواقع، شهد الجيش الأمريكي أكبر عدد من النزاعات في أفغانستان والعراق بين عامي 2001 و 2005، لكن معدلات انتحار العسكريين ارتفعت في السنوات التي تلت انحسار الصراع العسكري.
على سبيل المثال، وفقًا للإحصاءات الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون)، في عام 2012 انتحر ما مجموعه 349 جنديًا أمريكيًا، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ هذا البلد؛ حتى أن هذه الإحصائية ازدادت أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة.
کذلك، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا أن أكثر من 45 ألف شخص من قدامى المحاربين الأمريكيين أو الأشخاص الذين خدموا في الجيش الأمريكي على مدى السنوات الست الماضية، قد انتحروا.
في الواقع، يمكن القول إنه مع الأخذ في الاعتبار العدد الإجمالي لحالات الانتحار، ينتحر 20 جنديًا أمريكيًا كل يوم؛ وهذا يدل على أن عدد قتلى الانتحار يفوق عدد قتلى الحروب في أفغانستان والعراق.
الإنهاك المزمن في صفوف الجيش الأمريكي
في تحليل سبب تصاعد موجة الانتحار في صفوف الجيش الأمريكي، يعتقد المحللون أن الإحصائيات الجديدة الصادرة عن الجيش الأمريكي، تشير فقط إلى جزء ضئيل من المشاكل النفسية للجنود الأمريكيين، الذين أنهكوا نفسيًا خلال عقد من الحرب في العراق وأفغانستان.
في الواقع، يعدّ الجيش الأمريكي، بحوالي 3 ملايين جندي ناشط واحتياطي، أغلى جيش في العالم، حيث تتمركز قواته حاليًا في حوالي 700 موقع حول العالم.
ويقول بعض علماء النفس إن كل من كان على الخطوط الأمامية في ساحة المعركة لأكثر من 40 يومًا في حياته، من المرجح أنه سيعاني من نوع من الأمراض النفسية في بقية حياته.
الانتحار وانتشار الأمراض العقلية بين الجنود الأمريكيين ليسا جديدين، وأحدث الأخبار في هذا الصدد تعود إلى موجة الانتحار الكبيرة للجنود الأمريكيين العائدين من حرب فيتنام في السبعينيات.
في الواقع، يعتقد العديد من الأطباء النفسيين وعلماء النفس الأمريكيين، أن البحث في أسباب انتحار الجنود المتبقين من حرب فيتنام، كان أحد المجالات التي أدت إلى العديد من التغييرات في الطب النفسي.
دور إصابات الدماغ في ارتفاع معدلات الانتحار
على مستوى آخر، يعتقد علماء النفس والباحثون أن أعلى معدلات الانتحار هو للمتضررين من الحرب.
وفي هذا الصدد، يقول باحث في جامعة براون إنه لا يمكن اعتبار أي عامل لوحده سببًا للانتحار، بل يجب وضع قطع اللغز معًا وفهم المسألة من خلال ذلك فحسب. لكنه يشير إلى الاستخدام المتزايد للقنابل التي يتم التحكم فيها عن بعد، والتي يمكن أن تسبب تلفًا شديدًا في الدماغ.
كما قال إن التقدم الطبي يسمح للعسكريين الأمريكيين بالعودة إلى ساحة المعركة على الرغم من تلف الدماغ، الأمر الذي قد يؤدي إلى الانتحار.
في الواقع، تظهر الأبحاث أن معدلات الانتحار أعلى بكثير بين الأشخاص الذين تضرروا من جراء الحروب؛ ووفقًا لتقرير صدر عام 2016 عن لجنة المراقبة والإصلاح في مجلس النواب الأمريكي، فإن عدد الضحايا كان 1.5 مرة أعلى من أولئك الذين يخدمون في الجيش؛ وبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا، ارتفع معدل الانتحار إلى حوالي 80 بالمئة من عام 2005 إلى 2016.
ويقول الخبراء إن هذا الخطر يتضاعف في السنة الأولى من إنهاء المتضرر الخدمة العسکرية؛ ويعزو الخبراء ذلك إلى إحباط المتضررين من تلقي المساعدة التي يحتاجونها.
يتقاعد الجنود الجرحى سريعًا للتعافي، لكن هذا سيسبب لهم الكثير من المتاعب؛ لأن العديد منهم لا يتلقون المساعدة المناسبة، وهذه القضية ستخلق لهم تحديات کبيرة في حياتهم.
المصدر: الوقت
LINK: https://www.ansarpress.com/english/23121
TAGS: