عام بعد آخر تتضح أكثر فأكثر أهمية يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني (قدس) في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام.
يحلّ يوم القدس هذا العام على بعد أيام من صفقة القرن التي يُراد منها نسف القضيّة الفلسطينية، ولعل يوم القدس سيكون اليوم الفصل في مواجهة هذه الصفقة المشؤومة بكل أبعادها.
لطالما كان يوم القدس العالمي خلال العقود الماضية من أبرز محطات إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، والتأكيد على أن القدس عاصمة للشعب الفلسطيني باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين.
في هذا اليوم من كل عام، تم التأكيد على أن فلسطين هي القضية المركزية الأولى للأمة العربية والإسلامية، حيث نجح هذا اليوم في زرع ثقافة القدس في نفوس الشباب التي نراهن عليها وعلى وعيها هذا العام في إسقاط مشروع ترامب في الشرق الأوسط.
الكثير من الأصوات العربية والفلسطينية حذّرت من هذه الصفقة داعية للمواجهة وتحمّل المسؤولية التاريخية في مواجهة صفقة القرن التي تهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية.
الإجماع الفلسطيني الذي افتقدناه في الكثير الملفات يبدو اليوم أكثر وضوحاً، حيث يظهر وجود إجماع فلسطيني على رفض صفقة القرن ومؤتمر البحرين الذي يعدّ الخطوة الأولى على هذا الصعيد. الجانب الفلسطيني أعلن رفضه لهذا المؤتمر داعياً إلى مقاطعته، وبالتالي يصبح هذا المؤتمر ساقطاً اقتصاديّاً وسياسياً.
من الأصوات الأخرى المطالبة بمواجهة هذه الصفقة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي دعا لعقد حوار لبناني - فلسطيني، لمواجهة ما يسمى "صفقة القرن"، ورفض التوطين، والتمسك بحق العودة.
إذن، لطالما كان يوم القدس أحد أبرز دعائم القضية الفلسطينية، ولعلّ يوم القدس في هذا العام هو الأهم على الإطلاق نظراً لأن التحديات والتهديدات التي تتربص بالقضية الفلسطينية هي الأكبر على الإطلاق أيضاً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن دعوة السيد نصرالله، والتي هي في الحقيقة دعوة الفلسطينيين بأسرهم، لأوسع مشاركة شعبية في هذا الاحتفال تنطلق من أهميّة الحدث هذا العام.
ستقدّم المظاهرات التي ستخرج في هذا العام صورة واضحة عن حقيقة الموقف العربي من هذه الصفقة، ولا شكّ أن الحضور في هذه التظاهرات سيكون مصداقاً بارزاً لقوله تعالى: "ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين".
ثانياً: يدرك الجميع جيّداً أن الموقف الفلسطيني هو الذي يحدّد نتيجة هذه الصفقة، ولعل المقاطعة الفلسطينية لمؤتمر التصفية في البحرين هي أحد أبرز المسامير في نعش هذه الصفقة.
إن الرفض الفلسطيني لهذه الصفقة سيُسقطها دون رجّعة خاصة أن جميع الشعوب العربية والإسلامية تقف خلف هذا الشعب وتدعمه في قضيّته.
إن الميزان في صفقة القرن هو الشعب الفلسطيني، ومن هنا يمكننا القول بثقة أن الصفقة ستفشل، ولكن علينا كشعوب عربية وإسلامية أن نكون شركاء في هذا الانتصار على ترامب وأعوانه.
ثالثاً: لعلها المرّة الأولى التي تصل فيها جميع الأطراف الفلسطينية إلى قناعة راسخة بفشل طريق التفاوض، لاسيّما بعد قول الرئيس عباس بأن تذهب الصفقات إلى الجحيم.
إن هذا الاستحقاق ورغم خطورته يشكّل فرصة مناسبة لاعتراف الجميع بأن طريق المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي قد وصل إلى حالة انسداد، وبالتالي التأسيس لصيغة مشروع وطني فلسطيني جديد ينهي حالة الانقسام ويؤسس لواقع جديد يحاكي التحدّيات ويستخلص العبر من عشرات السنين من المفاوضات.
رابعاً: إن المشروع الوطني الفلسطيني غير كافٍ، بل لا بدّ من العمل على مشروعين آخرين، الأول عربي - فلسطيني، والآخر عربي - اسلامي وفلسطيني.
في المشروع الأول لا بدّ من خطط لمواجهة التوطين في دول الوجود الفلسطيني أي سوريا والأردن ولبنان والمطالبة بحقّ العودة. هناك إجماع فلسطيني وعربي على رفض التوطين على كل الأصعدة وإصرار على حق الفلسطينيين في العودة إلى الديار "المقدّسة"، لذلك لا يكفي اليوم تقديم هذا الأمر من خلال بيانات، بل لا بدّ من خطط مواجهة شاملة. كذلك، لا بدّ من المشروع العربي –الإسلامي الذي يضع حدّاً فاصلاً لأولئك الداعمين لقضية الأقصى ومن يريد تمرير صفقة ترامب لأهدافه وغاياته السياسية. هل يجب على الشعب الفلسطيني أن يقدّم قضيته ثمناً للحفاظ على بعض الأنظمة الخليجية؟ لماذا تلجأ بعض هذه الأنظمة؟.
خامساً: إن الموقف في يوم القدس يؤسس للمحطة الأخرى للمواجهة في مؤتمر البحرين، لكن بشائر النصر قد بدأت تلوح بدءاً من الموقف الفلسطيني وليس انتهاءً بموقف الشعب البحريني، ففي حين وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صفقة القرن بأنها "صفقة العار" التي ستذهب إلى الجحيم، مضيفاً "من يريد حل القضية الفلسطينية عليه أن يبدأ بالقضية السياسية وليس ببيع أوهام المليارات التي لا نعلّق عليها آمالاً، ولا نقبل بها لأن قضيتنا سياسية بامتياز"، اعتبرت حركة الأحرار الفلسطينية أن ورشة البحرين التطبيعية مرفوضة وأن كل من يشارك فيها متآمر على القضية الفلسطينية، فضلاً عن مواقف الفصائل الأخرى.
في الختام، إن يوم القدس العالمي يشكّل فرصة كبرى لمواجهة ما يسمى بصفقة القرن، وتحويلها إلى هزيمة القرن لترامب وكل أعوانه في الشرق الأوسط، المشروع الوطني الفلسطيني، والمشروع العربي- الإسلامي-الفلسطيني هي السبل الأمثل لمواجهة هذه الصفقة المشؤومة التي نراها ستلد ميّتة، ولن تعادل أهمية الورق التي كتبت عليه.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/11357
TAGS: