دخلت الجبهة الداخلیّة الیمنیّة فی أزمة سیاسیّة تكاد تكون الأعمق منذ بدء العدوان على الیمن. لا نقصد هنا بالأعمق وصولها أطرافها إلى الصدام، لا سمح الله، بل ظهور الخلاف بشكل علنی سمح للأعداء والمتربّصین باللعب على حبال الخلاف، لاسیّما أنّ كافّة المحاولات السابقة قد باءت بالفشل.
كلام زعیم حركة أنصار الله السیّد عبد الملك الحوثی فی خطابه لحكماء وعقلاء الیمن كان واضحاً، لناحیة تعزیز جبهة المواجهة العسكریّة والتضحیة "بهذا الرأس فی سبیل الله وفداء لهذا البلد، وفداء لهذا الشعب"، أو الجبهة الداخلیة بما یتعلّق "بمواجهة الفساد فی سبیل الله وفداء لهذا البلد، وفداء لهذا الشعب"، باعتبار أنّ "هناك خطة جدیدة لدول العدوان للخروج من إخفاقاتها تسعى دول العدوان من خلالها حسم المعركة وهی المسار الآخر الموازی للمسار العسكری لاستهداف الجبهة الداخلیة وتفكیكها وإشغالها بأمور ثانویة"، وفق السید الحوثی.
لا شكّ أن الملف الیمنی یعیش الیوم فترة بالغة الحساسیّة، ولعلّها الأكثر خطورة منذ بدء العدوان بسبب السعی السعودی لأن یحصد فی السیاسة ما فشل عنه فی المیدان، وبالأخص بعد الإحاطة الأخیرة التی قدّمها المبعوث الأممی اسماعیل ولد الشیخ أمام مجلس الأمن والتی تضمّنت جملة من المغالطات بغیة التسویق للمخططات السعودیّة وتبریر غطاء دولی لعدوانها عبر توظیف المعاناة الإنسانیة للیمنیین بما یخدم دول العدوان، لا الشعب الیمنی.
ویدرك الجمیع أن اللعب على وتر الخلاف لتأزیم وتقسیم الجبهة الداخلیة خطّة سعودیّة قدیمة، بدأت معالمها منذ الأفول العسكری للعدوان بعد أشهر قلیلة على بدئه، أی منذ عامین ونیّف تقریباً، لیستقرّ الأمر لاحقاً على اتهام البعض بأنّهم تجّار حرب، فلا أنصار الله، ولا المؤتمر الشعبی ولا كل من وقف فی وجه العدوان بتاجّر حرب، بل وقفوا بوجه العدوان انطلاقا من مسؤولیتهم الانسانیة والوطنیة. وبالتالی من یعمد الیوم إلى صبّ الزیت على النار سیكون أكبر خائن للیمن وشعبه المظلوم، بل سیكون شریكاً فی كافّة الدماء التی سالت، وتسیل لتروی أرض الوطن.
هذه التطوّرات تستوجب من كافّة الأطراف الیمنیة التكاتف والتعاضد بما یخدم مصالح الشعب الیمنی، لاسیّما أنّنا نعیش الیوم بحقّ الأیّام الأخیرة للعدوان، فلم یكن الصمود والانتصار الیمنی لیحصل لولا الوحدة الوطنیة التی أظهرها هذا الشعب، وبالتالی إن أی صدام سیاسی سینعكس بشكل سلبی كبیر على الداخل الیمنی من كافّة النواحی، ولن تقوم بعدها لهذا الشعب قائمة. هذا ما أرادته السعودیة من الشعب الیمنی حقّاً.
إلا أن التكاتف والتعاضد لا یعنی السكوت أو التهاون بحقوق الشعب الیمنی الاقتصادیة، كما لم تتهاون الأطراف الیمنیّة كافّة بحقوق الشعب العسكریّة. وبالتالی لا بدّ من محاسبة الفاسدین، لأن الشعب الیمنی الذی أظهر بأساً منقطع النظیر فی المیدان، یعانی من أوضاع اقتصادیّة صعبة، وبالتالی إن أی مفسد یعد شریكاً حقیقیاً فی العدوان الاقتصادی. لا بدّ من بناء دولة مؤسسات فی الیمن، تلفظ غبار سنین الفساد السابقة.
لا نتّهم احد بالفساد، لا المؤتمر الشعبی ولا حركة أنصار الله، وكل من یتورّط بالفساد هو خائن ویجب أن یحاسب ضمن المراجع القانونیّة، بصرف النظر عن انتمائه السیاسی والحزبی، فمن قدّم الدماء دفاعاً عن الوطن، لن یبخل فی محاسبة الفاسدین الذین یلحقون الضرر الاقتصادی بالشعب، تماماً كما تفعل دول العدوان أمنیّاً وسیاسیاً، وأمّا على الصعید الانسانی فیعدّ الطرفین (المفسد والعدو) شركاء فی السمار والمصیر.
وأمّا فیما یتعلّق، بالزیارة التی أجراها بعض البرلمانیین إلى السعودیّة ولقاء ولی العهد الأمیر محمّد بن سلمان تعدّ طعنة بالظهر، لا لأنصار الله فحسب، بل لكافّة أطیاف الشعب الیمنی، وقبلهم للشهداء والجرحى. ومن یطعن فی الظهر لا بدّ أن یحاسب ضمن الأطر القانونیّة. بن سلمان یرید أن یحصل من هؤلاء فی السیاسة، على ما عجز عن تحقیقه فی المیدان، فهل یرضى الیمنیون، المؤتمر وأنصار الله، السكوت عن هؤلاء؟
لا ریب فی أن أغلبیة الشعب الیمنی ترید السلام لا الاستسلام، ولكن بما یحفظ دماء الشهداء التی سالت لتروی تراب الوطن فاحذروا مخطّطات العدو فی تشویه الجبهة الداخلیة والنیل منها سیاسیا ومجتمعیا. ولعل السبیل الوحید لإفشال هذه المخطّطات هی الوحدّة وتعزیز الجبهة، لا أیّ شیئ آخر.
URL تعقيب: https://www.ansarpress.com/arabic/8150
الكلمات: